Powered By Blogger

الأربعاء، 9 يوليو 2014

المزعجون...مقال لجيل دولوز في يوم الأرض...



تقديم : نشر هذا المقال بجريدة "لوموند" الفرنسيّة في 7 أفريل     1978 تفاعلا من دولوز مع الاجتياح الصهيوني الواسع للبنان قبل ذلك ببضعة أسابيع، بتعلّة "الردّ" على قصف كومّاندو فلسطيني شمال تل أبيب. وقد تسبّب الاجتياح في مقتل المئات من اللاجئين الفلسطينيّين ومن اللبنانيّين وفي تهجير الآلاف من اللبنانيّين نحو بيروت. لكنّ هذا الاجتياح لم يتمكّن رغم ضراوته من تفكيك صفوف المقاتلين الفلسطينيّين.


المصدر : Gilles Deleuze, « Les gêneurs », in Deux régimes de fous, Minuit, 2003, pp 147-149    





كيف للفلسطينيّين أن يكونوا "طرفا جديرا بالمفاوضة" والحال أنّه ليس لهم بلد؟ وكيف يكون لهم بلد والحال أنّه انتزع منهم؟ لم يُعطَ لهم خيار آخر غير الاستسلام دون شروط. لم يُقترح عليهم سوى الموت. ففي الحرب التي يواجهون فيها الكيان الصّهيوني يُنظر إلى عمليّات الكيان الصّهيوني على أنّها ردود شرعيّة (حتّى وإن كانت غير متوازنة)، بينما يُنظر إلى عمليّات الفلسطينيّين على أنّها ليست سوى جرائم إرهابيّة. كما أنّ قتيلا عربيّا ليس له نفس القيمة أو نفس الوزن اللذين لقتيل صهيوني .


لم يكفّ الكيان الصّهيوني منذ 1969 عن قصف ودكّ جنوب لبنان. وقد اعترفت علنا بأنّ اجتياح لبنان مؤخّرا ليس ردّا على عمليّة "كومّاندو" تل الرّبيع (ثلاثون ألف جنديّ مقابل إحدى عشر إرهابيّا) وإنّما تتويجا مبرمجا سلفا لسلسلة كاملة من العمليّات التي تحتفظ لنفسها فيها بحقّ المبادرة. أمّا بالنسبة إلى "الحلّ النهائي" للمشكل الفلسطيني فإنّه يمكن للكيان الصّهيوني التعويل على التواطؤ شبه المجمع عليه من قبل باقي الدول، مع فويرقات وتحفّظات مختلفة. أمّا الفلسطينيّون الذين هم شعب بلا أرض ولا دولة فإنّهم ليسوا سوى مزعجين للجميع. فمع أنّهم يتلقّون الأسلحة والمال من بعض الدول، فإنّهم يعلمون ما يقولون إذ يصرّحون أنّهم وحدهم على نحو مطلق.


يقول المقاتلون الفلسطينيّون أيضا أنّهم أحرزوا أخيرا انتصارا ما. فهم لم يتركوا بجنوب لبنان إلاّ مجموعات من المقاومين اللذين يبدو أنّهم صمدوا على نحو جيّد. في المقابل ضرب الاجتياح الصّهيوني على نحو أعمى شعبا من المزارعين الفقراء. فقد تأكّد تدمير قرى ومدن وتقتيل مدنيّين. كما أشارت جهات عدّة إلى استعمال قنابل انشطاريّة. ولم يكفّ سكّان جنوب لبنان هؤلاء عن المغادرة والعودة، في حركة تهجير متّصلة، تحت ضربات الجيش الإسرائيلي التي لا نرى ما يميّزها عن أعمال إرهابيّة. يطبّق الجيش الإسرائيلي في جنوب لبنان الطريقة التي أثبتت فاعليّتها في الجليل وغيره من الأراضي في 1948 : إنّه يقوم بـ"فلَسْطنةِ" جنوب لبنان.


المقاتلون الفلسطينيّون منحدرون من اللاجئين. ويزعم الكيان الصّهيوني أنّه لا يمكنه هزيمة المقاتلين إلاّ عبر إيجاد آلاف من اللاجئين الآخرين الذين سينحدر منهم مقاتلون آخرون.


ليست علاقاتنا بلبنان التي تجعلنا نقول أنّ الكيان الصّهيوني يغتال بلدا هشّا ومعقّدا. ثمّة أيضا بعد آخر هو كون نموذج إسرائيل-فلسطين محدِّد بخصوص المشاكل الحاليّة المتعلّقة بالإرهاب حتّى في أوروبّا. فالتفاهم العالمي بين الدول وإعداد شرطة وتشريع دوليّين تفضي ضرورة إلى توسيع يتمّ بمقتضاه اعتبار مزيد فمزيد من الناس إرهابيّين محتملين. وهكذا نجد أنفسنا في وضع مشابه لوضع حرب إسبانيا عندما اعتمدت هذه الأخيرة مخبرا تجريب لمستقبل أشدّ فظاعة.


يقود الكيان الصّهيوني اليوم ذاك التجريب. إنّه يضبط نموذجا للقمع سيتمّ تسويقه في بلدان أخرى وأقلمته مع بلدان أخرى. ثمّة اتّصال كبير في سياستها. فالكيان الصّهيوني اعتبر دوما أنّ قرارات الأمم المتّحدة التي تدينها شفويّا تجعلها في الواقع على حقّ. وهي حوّلت دعوتها لإخلاء مناطق محتلّة إلى واجب إقامة مستوطنات فيها. كما إنّها تعتبر حاليّا أنّ إرسال قوّة دولية إلى جنوب لبنان أمر ممتاز...على شرط أن تتكفّل هذه الأخيرة بدلا عنها بتحويل المنطقة إلى مجال شرطة أو إلى صحراء مراقَبةً. إنّها لمساومة عجيبة لا يمكن للعالم كلّه الخروج منها إلاّ عبر الضغط الكافي من أجل أن يُعترف أخيرا بالفلسطينيّين بما هم عليه فعلا، أي بما هم "طرف جدير بالمفاوضة"، بما أنّهم يخوضون حربا ليسوا بالتأكيد مسئولين عنها.   

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق