حاورته:
سميرة المنسي
نادراً ما
تتطابق شخصية مفكر مع موضوعاته كالفيلسوف والمحلل النفسي والناقد السينمائي
السلوفيني سلافوي جيجيك، فهيأته توحي بأنه قادم للتو من أدغال الثوريين القدامى،
أو أنه لا يزال ثابتاً في إطار الصورة النمطية التي شكلتها كتب التاريخ عن جنون
الفلاسفة. ولعل سخريته اللاذعة من الحدود المفروضة على مفاهيم حق الاختلاف التي
رسمتها ثقافة ديمقراطية العولمة وما بعد الحداثة في أي سجال ديمقراطي، بالإضافة
إلى أطروحاته حول مناطق اللاشعور التي لا يوجد فيها حسب نظرياته وعي زائف ووعي
حقيقي، لأن الوعي بحد ذاته يكتنفه الغموض، هي من الأسباب التي جرَت خلفه ألقاباً
مثل: أكثر الفلاسفة المعاصرين شهرة وإثارة للجدل، ونجم الفلسفة المتمردة،
والفيلسوف الذي يرفض الحوار الفلسفي، والفوضوي الماركسي الذي يعترف بأن نهاية
الرأسمالية لا يعلم بها غير الله.
يراهن
سلافوي جيجيك على التغيير الراديكالي، ويعتبر نفسه شريكاً للفيلسوف الفرنسي آلان
باديو في تحرير النظريات الفلسفية من الأقبية الأكاديمية، كي تساهم في قراءة
معضلات حياتنا اليومية، وما يساعده على إتقان هذه المهمة تناغمُ قدرته الفطرية
الفائقة مع مهاراته في توظيف الفلسفة وعلم النفس لفرض تصور مغاير للأشياء وصدم كل
ما هو مألوف في الثقافة السائدة.
وهو يقول
في السينما: تقوم هوليوود اليوم بدور مراسل صحفي من الجبهة الايديولوجية
الأمريكية، بحيث تستدرج المشاهد ليشارك في سرد الضياع الذي يعصف بدوافع الذات
الانسانية، وبما أن الشك عنصر أساسي من عناصر الموضوعية، فلا بد له ان يظهر في
الشخصيات )التي إلى جانبنا( وهذا )الصدق( يكشف بتقنية ذهنية
وبصرية عالية )جانبنا المظلم( غير أن الإضاءة تحجب قراءة ما يدور في أعماقه، وفي
المقابل فان أعداءنا ليسوا بشراً بل آلات قتل متصالحين بالكامل مع رغبات الانتقام.
وجميع هذا يحشره الجيش الإسرائيلي ووسائل إعلامه دفعة واحدة في شخصيات عملاء
الموساد الذين يطاردون الإرهابيين الفلسطينيين المهووسين بالانتقام. حينما نشاهد
هوليوود الإسرائيلية لا يمكن أن نشعر بشيء آخر غير البغض الشديد تجاه شخصيات
الموساد الذين يقومون بقتل الفلسطينيين بدم بارد وبدون حضور أي دافع من دوافع
الذات وعدم يقينها، فهم غير مضطرين لتفسير ذلك لأن »قيامنا بواجبنا «يعني تحليل
سياستنا العسكرية التي تحتم علينا تقديم الواقع الفعلي وليس إظهار الرحمة، مثلما
يحتم على العالم أن يفهم أن الجندي الإسرائيلي ليس قاتلا ولا بطلا، وإنما بشر وقع
في مصيدة التاريخ والحرب كما وأننا لن نسمح لوحشية الحرب أن تعرقل ممارسة حياتنا
الحميمة«.
ولد
سلافوي جيجيك في سلوفينيا وهي إحدى جمهوريات الاتحاد اليوغسلافي السابقة عام 1949
، وأصدر عشرات الكتب منها: الالتزام الصعب » و «من قال شمولية « ،» الدمية والقزم «
،» مرحبا بكم في صحراء الواقع » وآخرها «مرحبا بكم في الزمن المثير » وهو العمل
الذي يقدم رؤيته للمتغيرات العالمية الراهنة والتي يمكن اختزالها في عبارته:
التغيير الجذري أصبح اليوم ممكنا.
وفي هذا
الحوار الخاص وافق جيجيك ضاحكا على طلب حصره في رؤيته السياسية للثورات العربية
وعلى محاولة عدم التقافز بين نظرياته الفلسفية حتى لا أكتشف لحظة انتهائه من إثبات
إحداها بأنه قد انتهى فعلا من عرض نقيضها.
● كيف ترى المشهد التالي: تصحو الشعوب العربية فجأة، فيصبح المستحيل ممكنا في
العالم العربي، يسقط طاغية تونس ثم طاغية مصر، ينشغلالمجتمع الدولي في المراهنة على
سقوط الطاغية التالي، يستشرس القذافي ويذكر الولايات المتحدة بأن الديكتاتوريات هي
حصنها الوحيد ضد القاعدةوإرهابها الإسلامي، لا تجيبه واشنطن، فيعلنها حربا مقدسة ضد
الغزو الصليبي، تستيقظ دول تحالف الناتو من ذهولها وتنسى انها تشكل 70% منالاحتياط
العسكري في العالم.
● هذا
المشهد يستدعي مقولة: أننا نرى الشر يرقص على أنقاضه، فالغرب الذي ألغى إرادة
الشعوب العربية وتحالف مع طغاتها، ها هو يلتف على أزماته، ويحاول اقناع الشعوب
العربية بأنه يرقص معه على أنقاض طغاته وليس على أنقاضه هو.
القضاء
على الإرهاب الإسلامي وضمان حقوق المرأة في العراق وافغانستان كانت سردية الولايات
المتحدة الأمريكية الرسمية، ولكن سياستها الحقيقية هي إنتاج الإرهاب والتطرف
بأشكاله المختلفة، سواء كانت دينية او عرقية او قومية.
إن
الدوافع الانسانية المفاجئة التي ساقتها قوات الناتو خلفها لاحتلال ليبيا، تشبه
نادرة حدثت خلال الحرب العالمية الأولى، فقد بعثت ثكنة ضباط الجيش الالماني برقية
إلى ثكنة ضباط الجيش النمساوي في ذلك الوقت تقول: الوضع في جبهتنا كارثي، ولكنه
ليس جدياً، وكان رد ثكنة ضباط الجيش النمساوي: الوضع في جبهتنا جدي ولكنه ليس
كارثياً. بهذه الصورة يعطي الغرب أولوياته. وما تمر به شعوب الدول العربية الأخرى
قد يكون جدياً ولكنه ليس كارثيا، ووضع شعب اليمن لا كارثي ولا جدي. المشهد مثير
للغاية، وربما نصبح في الايام القادمة شهودا على مرحلة لا تصدق وتتصف بالجنون
الكامل.. هل يتوقع احد ان ترسل الامم المتحدة قوات حلف الناتو لتحرر الشعوب من
طغاتها؟
حمى
التغيير الدائرة في الوطن العربي تكشف الوجه الحقيقي لديمقراطية الغرب، وحربه على
ما يسمى بمحور الشر والإرهاب الإسلامي، هل نعرف أحداً كان إرهابياً قبل ان تجنده
المخابرات الأمريكية؟ والغريب ان الجميع يعرف ذلك، ويعرف كيف تخلق الولايات
المتحدة أعداءها ولماذا تتخلص منهم. أظن باننا نقترب من ولادة مرحلة جديدة وخطيرة،
وحتى ندخل فيها يترتب على يساريي العالم أولا تشييد تمثال ضخم لجورج بوش، لأن
سياسته الحمقاء أطاحت بالهيمنة الأمريكية ودمرتها.
● هل لا تزال ثورة الشعب الليبي تحمل اسم الثورة بعد ان حملت سلاح حلف
الناتو؟
●
لا ادري، ولكن ما يحدث أستطيع تسميته بالتوازن الكارثي، لأن الثورات العربية
تمر في الوقت الراهن بمرحلة لا احد يستطيع المراهنة على نتائجها، ولكنها بكل تأكيد
بارقة امل تشق طريقها بثبات لقلب دور العالم العربي الذي عمل الغرب على ترسيخه
طوال الحقب الماضية، العالم العربي كان مجرد جدار عازل سد الطريق أمام أي تغيير
محتمل داخله، أو ليعبر من خلاله إلى مناطق آسيوية وافريقية أخرى.
وأعتقد ان
مصيبته الاساسية هي افتقاده القاعدة اليسارية العلمانية، وأتمنى ان يتدارك الشعب
العربي ذلك وخاصة في ليبيا، ويسعى إلى احداثها، حتى لا يقع فريسة السياسة الدولية
كما حدث في أفغانستان الثمانينات، وعليه ان يتعظ من فشل التجربة الاشتراكية في
اوروبا الشرقية التي اكتفت بالوصول للسلطة.
الفيلسوف
الفرنسي آلان باديو وضع ثلاثة أشكال مختلفة لفشل الثورة: الأول يتمثل في هزيمتها
المباشرة من قبل عدو يسحقها ويخضعها ببساطة تحت سيطرته، والثاني يتمثل بالهزيمة
التي يقودها النصر نفسه وذلك حين تتبنى الثورة المنتصرة مشروع عدوها ليصبح نظام
ثورتها الداخلي، والثالث حين تصبح سلطة الدولة التي ناضل الشعب ضدها هي هدف الثورة
لتنفيذ طموحات الشعب، وفي هذه النقطة يكمن فشل الثورة الحقيقي وربما الساحق،
والتعريف الفطري الصحيح له هو: اكتفاء أي ثورة بالوصول إلى سلطة ترسخ فيها كل
طاقاتها، يعادل خيانتها، لانها فشلت في استحداث بديل حقيقي لنظام اجتماعي وسياسي
مرتبط بتفاصيل مجتمعها اليومية، وفي تبني إستراتيجيات متواضعة وبسيطة بعيدة عن
السلطة، تعمل بألية شعبية مؤثرة هدفها التغيير الجذري والحازم.
أرى في
الثورة المصرية انطلاقة تمرد الشعوب العالمي، وفيها أيضاً تتحدد هويتنا جميعاً،
وبقدر وضوحها توضحنا، ولا تحتاج لتحليلات محللين اجتماعيين أو سياسيين، وهي على
العكس من الثورة الخمينية في ايران التي لم يجد اليساريون الايرانيون في ذلك الوقت
فيها طريقا اخر غير ارتداء عمامة الخميني لتهريب ايديولوجيتهم. في تونس ومصر كان
الأمر عكس ذلك، لقد اضطر الاخوان المسلمون إلى اخفاء عماماتهم وتبني خطاب العدالة
الاجتماعية والحرية العلماني، لم يجدوا مفرا من ترديد لغة المتظاهرين العلمانية
وهذا برز جليا بالصلاة المشتركة في ساحة التحرير التي توحد فيها المصري المسلم
والمصري القبطي، تلك الصلاة كانت الاجابة المثلى على رفض الشعوب العربية لأي عنف
ديني وطائفي أنتجته حكوماتهم وسوّقه محافظو اوروبا الجدد. ثورتا تونس ومصر رد صريح
على ان العدالة الاجتماعية والسيادة الوطنية والحرية هي التي تطالب بها الشعوب
وليس الحرية الفردية أو حرية السوق الحرة. ومن جانب اخر عبرت ثورة مصر عن رفعة
التضامن بين متظاهري ساحة التحرير ومتظاهري عمال ولاية ويسكونسين الأمريكية في
نضالهم الذي لا يعرف عنه الكثيرون ضد حاكم الولاية ومشروعه الفاشي في القضاء على
حقوق النقابات العمالية.
ان خيار
الشعوب الوحيد في هذه الأوقات المثيرة هو الوحدة وفعل كل شيء يبدو مستحيلا ضمن
النظام السياسي القائم، والايمان بان الواقعية لن تتحقق الا بطلب المستحيل، ومصر
وتونس علمتانا ذلك.
كل ما
ارجوه هو تغيير حقيقي ينهي هذه المرحلة المؤلمة من تاريخ الشعوب العربية لتستطيع
شق مستقبلها بديمقراطية، ورغم عدم تفضيلي لما تسوقه مفردة «ديمقراطية » لانها تفتح
الابواب حتى نقول: الديمقراطية تعني الديمقراطية الغربية، والديمقراطية الغربية
تمر في أزمة حقيقية؟ وان سألنا بأي معنى، نجيب: لأنها فرغت من محتواها وهذا الأمر
قد لا نلحظه بسهولة، بسبب ديمقراطيتها التسويقية، وبهذه المناسبة أحب دائما ذكر
التالي: قبل أسبوع من الانتخابات البريطانية التي فاز بها توني بلير، كنت في
بريطانيا، وشاهدت محطة تلفزيونية تجري تصويتاً بين مشاهديها على أكثر شخصية سياسية
يكرهها الشعب البريطاني، أجمع الناخبون على اسم توني بلير، وبعد مضي أسبوع فاز
توني بلير أكثر شخصية سياسية يكرهها الشعب البريطاني بالانتخابات العامة،
وهذه إشارة واضحة تؤكد فشل الانتخابات البرلمانية على قياس رأي الشعب واختياراته.
وقبل قبيل
أعوام أعاقت الحكومة البريطانية تنفيذ اصلاحات تربوية، فقام الطلاب باحتجاجات
اتسمت بالعنف والمواجهات مع رجال الأمن، هذه اشارة أخرى تؤكد ان الديمقراطية
الرأسمالية لا تقيس نبض الشعب ولا تقترب من مطالبه الحقيقية، لذلك خرج الطلاب إلى
الشارع لعرض مطالبهم، وسوف يخرج طلاب اوروبا وشبابها إلى الشارع مرة ثانية وثالثة،
ليقولوا لا عمل لدينا ولا أمل.
● ولكن السؤال المطروح حاليا هو ماذا سيحدث غدا ومن سيجني ثمرة الثورة
العربية السياسي، خاصة وان هناك اراء تقول ان موافقة العالم العربيعلى دخول قوات
حلف الناتو ليبيا أوقع الثورات العربية في دائرة الفوضى الخلاقة التي صاغتها الولايات
المتحدة في عهد بوش الابن وبدأت في تنفيذهابعهد اوباما؟
●
ربما، فكل شيء يدل في الوقت الراهن على عولمة الحروب الأهلية لتحل محل نظام
العولمة الذي خضعت له ملايين البشر في الحقبة الماضية، ويدل أيضاً على طلاق وشيك
بين الديمقراطية والرأسمالية الذي تكشفه حالة الطوارئ المعلنة في الولايات المتحدة
واوروبا ضد الهجرة غير الشرعية، لأن الراسمالية في أزماتها تتخلى عن ديمقراطيتها،
الجميع يعرف كيف تخلت الولايات المتحدة عن الديمقراطية حينما عاقبت كل من رفض
الحرب على العراق، وحينما تطابقت مصالحها مع مصالح البنوك إبان ازمتها الاقتصادية
عام 2008 ، في ذلك الوقت كان على الجميع نسيان الديمقراطية لانها لا تحل الازمات.
ربما بعد عولمة الحروب الأهلية، ستجد الولايات المتحدة الوقت الكافي للحديث عن
الديمقراطية وعن غيابها هنا وهناك.
● هل تتفق مع الرأي القائل ان تعاطف مثقفي الدول الغربية مع متظاهري تونس
ومصر بدأ عندما تأكدوا ان فلسطين غائبة من قائمة احتجاجاتهم؟
●
ولهذا، هو تعاطف كاذب ومخادع، لأنه نابع من ثقافة المؤسسة الاستعمارية وشروطها،
والدليل على ذلك الصراع الدائر بينهم حول كيفية تحويل مجرى ثورة الشعوب العربية
لما يخدم المصالح الغربية. العالم أصبح متأكدا بان الثورة العربية سينبثق عنها
نظام دولي جديد، والغرب يعمل على تأويل ثورات الشعوب العربية واحتوائها في أجندته،
ويعمل مثقفوه في هذه الأثناء على تحديد سقف ثورات الشعوب العربية بالديمقراطية
الرأسمالية، ويقولون ان الشعوب العربية تريد فقط تطبيق ما عندنا: الديموقراطية
البرلمانية الرأسمالية الليبرالية، ولأنها لا تملك أيديولوجيا سياسية واقتصادية
واجتماعية واضحة سوف تطبق الديمقراطية الغربية. هذا النفاق برز أيضاً خلال
الاحتجاجات التي نظمتها المعارضة الايرانية، فقد انبرى مثقفو الغرب للدفاع عن
المعارض الايراني حسين موسوي وعندما اتضح لهم ان الرجل ليس مغرما بالليبرالية البرلمانية
الغربية وانما يكافح من اجل ثورة ايرانية حقيقية رفعوا أيديهم واقلامهم عنه
وقالوا: الموسوي يتفق مع الخميني ويعارض احمدي نجادي.
أكثر ما
يزعج مثقفي الغرب هو الاعتراف بان وراء الشعوب العربية ثورة عربية اصيلة لانهم
يعتبرون أي تغيير تطالب به المجتمعات الدولية يجب ان لا يخرج من نطاق الديمقراطية
الغربية الرأسمالية، و غير ذلك لا يسمونه تغييرا، وانما تعصب قومي أو تطرف ديني.
ان الخطر
الاكبر يكمن في تصديق وهم الديمقراطية الغربية وتحديد مبادئها الرأسمالية كصيغة
نهائية لكل حركة تغيير تطالب بها الشعوب وذلك بهدف إجهاض أي محاولة لتغيير أسسها
بشكل جذري، واعتقد ان الشعوب العربية تحتاج في هذه المرحلة إلى التحالف مع
المعارضة الايرانية، خاصة في ظل الفراغ الهائل الناجم عن غياب مؤسسات المجتمع
المدني والاحزاب اليسارية الفاعلة، ومن غير ملء هذا الفراغ ستقع ثوراتهم في
الهيمنة الغربية وسياستها الدولية الليبرالية، ومن افرازاتها التطرف الديني
والطائفية التي لم تنته بعد في العراق وافغانستان.
● اذن هل اعتبار الديمقراطية الرأسمالية الاطار النهائي والمحدد لكل حركة تغيير
تطالب به الشعوب هو الذي دفع مثقفي الغرب إعلان حالة الطوارئلحماية ديمقراطية
اسرائيل من حرية الشعب العربي؟
●
بكل تأكيد، لقد قلت مثقفي الغرب وهذا يعني ان هناك ثقافة، وأول إنتاجات
ثقافة الديمقراطية الرأسمالية بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية هي ثقافة الخوف
من تهمة معاداة السامية التي أراحت ضمير المجتمع الغربي من محاسبة جرائم اسرائيل،
كما أراحت ثقافة الخوف من تهمة الانتماء للشيوعية من محاسبة الولايات المتحدة على
جرائمها في شتى بقاع الارض. ومن أبرز انتاجات ثقافة الديمقراطية الغربية اليوم،
ثقافة الخوف من المهاجرين والإسلام. اوروبا الشرقية والغربية كانت تخضع حتى وقت
قريب لسيطرة حزبين رئيسيين هما حزب اليمين )الديمقراطي المسيحي المحافظ
الليبرالي الشعبي الخ( وحزب اليسار )الاشتراكي الديمقراطي الخ ( أما اليوم
فان حزب اليمين هو من يتصدر الواجهة، ومن أجل نشر ثقافة عولمته الرأسمالية تسامح
مع قضايا مثل حقوق الاقليات الدينية والقومية ودعا إلى الحرية الفردية مثل الاجهاض
والحرية الجنسية أي بمعنى إعطاء الشخص حق النوم مع كلبين، ولكن ليس من حقه
الانتماء لاي افق سياسي خارج المنظومة، ومن جانب اخر بدأ بتأسيس ودعم ميليشيات
يمينية متطرفة لترويع المهاجرين وطردهم، واكبر مثال على ذلك ايطاليا برلسكوني، حيث
اصبحت فوبيا الخوف من المهاجرين المطلب الوحيد الذي يحرك الناخب الايطالي عند
صناديق الاقتراع.
أظن ان
اللحظة المناسبة قد حانت لتدرك شعوب الدول الغربية لماذا تهدد الديمقراطية
الحقيقية حريات الشعوب ولماذا لا يمكن لاسرائيل العيش الا في محيط مقموع ولماذا لا
نفهم ان حرية الشعوب العربية هي الطريق الوحيد من اجل رؤية مصير ابعد من معاداة
السامية. اسرائيل بالمناسبة تكشف يوما بعد يوم عن وجهها الحقيقي فهي دولة مغلقة
على طائفيتها ومن يحاول انتقادها يتهم فورا بمعاداة السامية، وهذا ما حدث معي
عندما كتبت عن طائفية اسرائيل في صحيفة ليموند. أنت فلسطينية وتعرفين ان أكثر ما
يصيب اسرائيل بالهستيريا ويوقعها في حالة هذيان هو رؤية فتاة اسرائيلية برفقة شاب
فلسطيني، هذه الظاهرة تحاربها دولة اسرائيل بكل الطرق، وفتحت مراكز الصحة النفسية
لمعالجة هؤلاء الفتيات من ميولهن العاطفية تجاه الرجل العربي. وهذا يطرح السؤال
التالي: ماذا يحدث لو لم يحدث شيء، والاجابة: لا شيء ومن هذا اللا شيء لا احد يرى
حجم الصراع الحقيقي، لأن تحايل اسرائيل القذر وتسويق الغرب لديمقراطيتها حشر جرائم
دولة اسرائيل في زاوية )نزاع متبادل بين طرفين(. عندما كنت أقول لاصدقائي
الإسرائيليين اليساريين، أنظروا ماذا فعلت بكم إسرائيل، لقد سمحتم لها ان تحول ما
قدمه اليهود عبر العصور إلى جرائم عنصرية، كانوا يجيبونني: قد يكون صحيحا اننا
نضطهد الفلسطينيين، ونحرمهم من حقوقهم، ولكن هذا لا يعني ان نسمح لهم كل يوم
باسقاط قنابلهم فوق رؤوسنا؛ لماذا لا يقبلون التعايش معنا؛ ولماذا لا يكفون عن
ممارسة الإرهاب ضدنا. ولكن بعد نشر موقع ويكيليكس الحقائق التي تؤكد ان السلطة
الفلسطينية في رام الله قدمت من أجل هذا التعايش الكثير، وكانت كريمة للغاية
وبطريقة لم يتوقعها احد جاء رد هؤلاء الاصدقاء: بنسيان غزة ستصبح الامور افضل مع
الضفة الغربية، وفي هذا الاتجاه المرعب تريد إسرائيل ان يسير مصير الشعوب العربية.