Powered By Blogger

الجمعة، 18 أبريل 2014

فضيحة قرار محكمة الإستئناف العسكريّة : إستكمال المسار الثوري أو قبره نهائيّا فلنواجه ظلم المحاكم بتفعيل العدالة الإنتقاليّة " جلبار نقّاش "


هم ليسوا مسؤولين أو بالكاد...
فلنكتم لبرهة الأحاسيس الفائضة التي إعترتنا عند النطق بالحكم في قضيّة الشّهداء و لنبتلع سخطنا و إستنكارنا و غضبنا ضدّ هذه "العدالة " الظالمة و كلّ من سهر على المهزلة وساهم في حصولها. إذ كان غرضهم الوحيد على مدى ثلاث سنوات تبرئة المسؤولين وربّما,لاحقا,أو هو قد حصل فعلا توجيه أصابع الإتّهام للضحايا,سواءا القتلى أو الجرحى أو عائلاتهم. هذه العائلات التي كان جرمها الوحيد أن تطالب بالإستماع إليها و لنخجل أخيرا من عجزنا و قلة تعبئتنا حول هذه القضيّة و تراخي حذرنا و إنشغالنا بهمومنا اليوميّة البعيدة كل البعد عن مطلب الحقيقة و العدالة التي من إنفكّ يطالب بها الضحايا و ذووهم في صراخ مكتوم .

و لنحاول أن نفهم كيف تلاشى كلّ أثر للقتلة المطلّين علينا في أزياء بوليسيّة تارة و تارة أخرى في أشباح أطلقنا عليها تسمية القناصة و إن لم يتحقّق لهم أي وجود مادّي و لم يقتلوا أحدا . كيف وقعت تبرئة غالبيّتهم ؟ أو الحكم المخفّف لبعضهم الآخر ؟ من المسؤول إذن ؟ وفقا لقضاة المحكمة العسكرية ، الذين إنكبّوا على التدقيق في الملفات التي مدّهم بها زملاء و أعوان المتهمين و رفضوا أية مكافحة بين المتهمين و القائمين بالدّعوى و الشاهدين على أعمال القتل،أما من مسؤول عمّا حصل ؟ لقد سقط الشهداء و الجرحى إستمتاعا و نكاية في هؤولاء المتّهمين – أصحاب الشّهامة – الذين كانوا يؤدّون واجبهم و لم يتجاوزوا أوامر بن علي الحريصة على إحترام حقوق الإنسانو لا أوامر رجالاته وتابعبه و إذا تعنّتنا في البحث عن المسؤول فسينتهي بنا الأمر إلى إتّهام الضحايا بالتقاتل في ما بينهم مما يحيلنا إلى رواية إستغلال الإضطرابات للتخفيف من وطأة المشاكل الديمغرافية بالبلاد . إضطرابات قلتم "اضطرابات" ؟ أي نعم , هاهو المسؤول ، إنه هنا صوب أعيننا فيما نوجّه التهمة لأشخاص نزهاء ! المسؤول هو الإضطراب و الفوضى , هذه الفوضى التي إختصّ بها شعب بنو هلال منذ فجر التاريخ بإنتفاضه على السلطة القانونيّة فلتذهب هذه الجماعات الهلاليّة – وهي ليست هلالية بما فيه الكفاية – إلى الجحيم و حتى لا نحمّلها وزرا ثقيلا و قد خصّتها العدالة العسكريّة بأحكام كريمة و لنكتفي بتركها راكدة في الخصاصة و الحاجة و التهميش . كم جميل أن ننظر من تحت لشهامة هؤولاء المتنفّذين القابعين خلف الزجاج الملوّن لسيّاراتهم الفارهة . لقد سبق لي أن قلت لنترك المشاعر جانبا و ها أنا مدفوع بالمشاعر ... فلنحاول مجدّدا عدالة إجتماعيّة من المتعارف عليه أنّه لا يمكن الحصول على حكم قضائي منصف حينما يرفع المتّهمون قراراتهم بالتّجاوزات التي مست الأشخاص غير المتساوين معهم لأقرانهم هكذا زمن حصل زمن الإحتلال حيث لم تصدر أيّ محكمة أحكاما قاسية على فرنسيّين قتلوا "السكّان الأصليّين " وكانت كلّ القضايا التي كان المتّهم فيها طرفا فرنسيّا كانت تعود بالنّظر إلى المحاكم الفرنسيّة التي لم يكن لحياة السكّان الأصليّين أيّة قيمة بنظرها . فلماذا حين يتعلّق الأمر بقضايا خطيرة تورّط فيها العسكريّون و قوّات القمع يترك الأمر لقضاة عسكريّين ليقرّروا الحكم على أساس الملفّات التي سلّمها لهم الأمنيّون ؟
وإذا كانت الإجابة على هذا السّؤال واضحة فيما يخصّ حكومات محمد الغنوشي والباجي قائد السّبسي التي كان هدفها تبرئة بن علي (و رجالاتهم ) و تشويه الثّورة فهي تصبح غير مقبولة من طرف حكومات الترويكا التي تركت الأمور على حالها .

صفقة,صفقات؟
كل الفرضيات مقبولة ، بما فيها فرضية وجود صفقة ، صريحة أو ضمنية ، بين الحكام السابقين و الطّامحين الجدد للمسك بزمام الحكم و الذين أمام عجزهم عن إحداث أيّ تغيير جذري ركنوا إلى إستعمال بقايا النظام السّابق ظانّين أنّ في ذلك مصلحتهم . بعد ذلك وقع جرّهم إلى التّصويت – المتأخّر و دون أيّ قناعة – على قانون العدالة الإنتقاليّة الذي كان تطبيقه كفيلا بإستبعاد القضاء العسكري و جهاز الأمن من فحص هذه القضايا.
فلِم هذا الإنطباع بأنه قد تم تأجيل العمل بقانون العدالة الإنتقالية حتى انتهاء المحاكم العسكرية من النّظر في قضايا الشهداء و الجرحى ؟ لِم هذا الشكّ الدائم لدى المواطن في أن الشهداء و الجرحى و عائلاتهم ليسوا سوى وقود صفقة بين أطراف طبقة سياسية لا رغبة لها في رؤية الثورة تشوّش عليهم إتمام صفقاتهم لمسك السلطة ؟ لم هذا الإحترام المتأخّروالمثير للشك لعدالة لم تتوان سابقا عن الإمتثال للأوامر ، بما فيها تلك التي أدانت "النهضاويين" ؟ هؤلاء الذين يمثّلون الوجه البارز لترويكا تزعم أنها تحترم إستقلال السلطة القضائيّة و رضوا في نفس الوقت بعدد من الأحكام الجائرة فقط لأنها تتماشى مع " نقاوتهم الأخلاقويّة"
فهل هدفهم فعلا هو إستقلال القضاء أم تحويل تبعيّته من فريق إلى فريق آخر ؟ أم هو الإفلات من العقاب جرّاء كل الإنتهاكات السابقة للقضاة الذين كانوا يمتثلون للأوامر أو لقيمة مبالغ الرشوة المدفوعة و زرع الأمل لديهم في أن آليات العدالة الإنتقالية لن تطالهم ؟

فليكن لأنه من حيث الأصل علينا البدء بتطهير جهاز القضاء الذي يتحمّل مسؤوليّة مباشرة في ترسيخ الجور و الظّلم في البلاد تفوق مسؤوليّة كلّ الأسلاك العموميّة بما فيها جهازي الأمن و الديوانة . و هذه المسألة أيضا من مشمولات العدالة الإنتقاليّة. كما علينا من هنا فصاعدا أن نقيّم أداء كلّ الفاعلين في المجال السياسي بناءا على مواقفهم من مسألة العدالة الإنتقاليّة . و إن أقرّينا بصعوبات اقتصاديّة حقيقيّة و عجز بائن  على مواجهتها برؤية جديدة هي عوائق بالغة التعقيد فذلك أيضا لأن السلطة تستمدّ قراءتها لها من نظرة مقاولي- زبائن بن علي و من مناهج و إملاءات صندوق النقد الدّولي و المؤسّسات الماليّة الدوليّة و ترفض قطعيّا قراءة هذه الوضعيّة من منظور الثورة. فالثورة لم تتناول المسألة الإقتصاديّة من منظور الربحيّة الصرفة بل من منظور خلق الثروات و توفير الشّغل و إعادة توزيع الموارد المتاحة . و فيما يخصّ إرساء آليّات العدالة الإنتقاليّة – و لاالمبادلاتيّة كما يذهب في إعتقاد البعض - و الشّروع في إعمال مقتضياتها. لم يعد هناك أيّ عذر للمماطلة .

علينا العمل بموجبها فورا بدءا بالمحاكمات الصّوريّة التي وقع النظر فيها إلى حدّ الآن . فالقانون المحدث للعدالة الإنتقاليّة لا تلزمه حجيّة الأحكام و القرارات الصادرة عن المحاكم العدليّة ولا العسكريّة فالمسألة واضحة لأنّ رهان العدالة الإنتقاليّة ليس فقط طيّ صفحة حالكة من تاريخنا , و إنّما إستكمال المسار الثوري لا دفنه . إنّ القرار الصّادر في 12 أفريل 2014 عن محكمة الإستئناف العسكريّة , بما حمل من رمزيّات هو خطوة خطيرة في المعركة الصّلفة التي يقودها أنصار الثورة المضادّة ضدّ هذا الشّعب . و لا أدلّ على ذلك من الطريقة التي تقبّلوا بها قرار المحكمة و عودتهم إلى الظّهور بشكل متواتر مدفوعين بالحرب التي يقودها العسكريّون في مصر ضدّ الإخوان المسلمين حيث نجح هؤولاء في إستغلال التحرّكات الشعبيّة لسحقهم و مواصلة القمع الممارس ضدّ الدّيمقراطيّين . و في تونس لم يعد أنصار الثورة المضادّة يخفون تطلّعهم للعودة إلى دفّة السلطة مدفوعين بنفس العزيمة و في الأثناء يقومون بإعادة تأهيل أتباع النظام السابق و زعيمهم , عرّاب المافيا التّونسية بن علي لذلك من الأوكد تفعيل آليّات العدالة الإنتقاليّة و تطبيقها على كلّ الذين ساهموا في القمع في ظلّ النظام السّابق و خاصة في فترة الحراك الثّوري و كلّ الفترات التي سبقته و لحقته ولا يمكن أن تستهدف هذه العدالة الفاعلين المباشرين للقمع فحسب , بل تتجاوزهم و تتعدّاهم لتشمل كلّ من إنتفع مادّيّا بشكل مجحف لقربه من دوائر الحكم ... فهؤلاء قد إستعادوا الثقة في قوّتهم ليواصلوا تطاولهم و صلفهم عبر تعطيل متعمّد للإتّفاقات المبرمة و يساهمون في تغذية الإضطرابات في الإنتاج ليٌلقٌوا بعد ذلك المسؤوليّة على الشغّالين و نقاباتهم . كما يجدر التّذكير بمحاولاتهم تعطيل الإصلاحات الجبائيّة المحتمشة التي قرّرتها الحكومة و التي كان من شأنها , لو طبّقت , أن تفضح رفضهم المخجل لواجب المساهمة في الإنفاق العمومي . و من الآن فصاعدا , ينبغي على المواطنين و المواطنات أن يٌعلنٌوا بوضوح رفضهم منح ثقتهم لمن لا يجعل تفعيل العدالة الإنتقاليّة على رأس أولويّاته. عليهم أن لا يٌدلوا بأصواتهم لمن يسمحٌ بشكل أو بآخر بعودة قوى الثورة المضادّة .

كفانا إذا من التسويات المهدورة مع قوى النظام السابق لأن المواطنين و المواطنات يريدون معرفة الحقيقة , كامل الحقيقة , حول تاريخ نهب البلاد من طرف نظام سياسي و حزبه و حلفائه و ينبغي أن لا نتستّر أيضا على أسماء من أغمضوا أعينهم على هذه الجرائم . ربّما يأتي وقت للصفح، لكن ليس قبل أن يتمّ الكشف عن الحقيقة و لا قبل أن تتمكّن عائلات الشهداء من نزع الحداد عنها و أن تتمّ معالجة جرحى الثورة و إعادة تأهيلهم  

 " جلبار نقّاش "